23‏/10‏/2009

يوميات طفل قديم (4)

(28)

(4)

كان جدى عزيز نسيجَ وحده. يدخن الـﭙـايـﭖ ويجلس على الكرسى القماش الطويل. كانت أمى تحكى لى عن مغامراته فى أعالى النيل وتُرينى صوراً عجيبةً له مع نساء لونهن أسود داكن وعاريات إلا من قطعة قماش صغيرة يغطين بها العورة. قالوا إنه كان مهندساً ميكانيكياً درس الهندسة الميكانيكية بالمراسلة ويمتلك كثيراً من الكتب الإنجليزية التى تفرجت عليها. بين الكلمات الإنجليزية كانت توجد صور لدوائر وعجلات وتروس. فرحت عندما عرفت أن هذه الكتب ستئول إلىَّ حيث إننى أبدو مهندساً فى المستقبل. يقولون إنه كان يعمل مهندساً على بواخر تجوب أعالى النيل وإنهم كانوا يعيشون فى كريمة. سمعت حكايات جميلة عن السودان والخرطوم بحرى.
كان جدى يتكلم بالتليفون بصوت جهورى.
كنت أحبه حباً جماً لكن صوته ضايقنى.
اختبأت خلف الكرسى القماش الطويل، رفعت الدعامة التى تتحكم فى ارتفاعه وحبست أنفاسى، عندما همّ بالجلوس رفعت الدعامة وجريت، انهار جدى والكرسى والتليفون فى حجره، على الأرض. ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ وشتمنى شتيمته المعهودة... يا مكسور الرقبة. ضحكت كما لم أضحك من قبل ثم جريت واختبأت تحت المائدة عندما توعدنى.
صباح اليوم التالى أيقظنى لأشرب معه القهوة باللبن.


من كتاب "يوميات طفل قديم". ذكريات طفولة.

22‏/10‏/2009


(27)

لوحة للفنان بول سـيزان .


20‏/10‏/2009

قصيدة إيزيس

(26)


ولكم تغرينى كلَّ صباحٍ، كلَّ صباحْ
ولكم تغرينى كلَّ مساءْ
في ضوء شعاع السَحَرِ الناهض، راحت
تسري موجةُ سِحرٍ، رعشةُ حُلمٍ، دفقةُ
أنثى، أنَّةُ آهٍ، فارت ثم توارت في
سرادبِ الجسدِ الوسنانْ.
قهر النومُ الصحوَ المتثائبَ والكسلان
لفحتنى أنفاسُ حرّى
ورأيتُ ذراعين لأعلى، فإذا بهما دلتا نهرٍ
في وجداني الظمآنْ
فعببتُ الماء عجولاً حتى أُروى
ورأيتُ اللؤلؤَ فوق جبينٍ نعسانْ
أنفاسُ حرّى
ظمأ يُروى
وأنا... وأنا مفتونُ بالإغراءِ وبالأشجانْ
أشجانُ ترحلُ، تأتي، ترحلُ، تأتى...
أشجانْ
مأخوذاً أخرجُ حيثُ الفجرُ وحيثُ اللونُ
الفضةُ والآفاقُ الورديةُ فوق جبينِ
الكونْ
أتجولُ في شريانٍ يدخلُ في شريانْ
أتسمعُ نبضَ القلبِ النائمِ، نبضَ القلبِ
المُرْهَقِ من إجهادِ الخفقانْ
أتسمعُ بعضَ نحيبٍ يأتي من أزمانٍ
ضاعت في النسيانْ
من أسمعُ!.. لا
إيزيسْ
اختلط الأمرُ عليّ
* * *
تُغرينى تلك الأنثى كلَّ مساءْ
تتزينُ بالألوانِ وبالأضواءْ
وتصفف شعراً كالليل المنسابِ على الأحياءْ
تتعطرُ فُلاّ ونبيذاً
ودُخانَ شواءْ
فيسيلُ لعابى
وصوابى
أفتحُ أبوابى
وأهيمُ على طُرقاتِ الشَعرِ الحالك قبلَ
ظهورِ القمرِ الوضّاءْ
أتصببُ عَرَقاً
أنداءْ
أتسمعُ بعضَ نحيبٍ يأتي من أحشاءِ
الليلْ
من أسمعُ؟!... لا
إيزيسُ هناكْ
* * *
ولكم تُغرينى تلك الأنثى كلَّ خريفْ
تتساقطُ أوراقُ الأشجار
تتعرى
أتعرى
أتسمعُ ذاكَ الصوتْ
من أسمعُ؟.. لا
إيزيسْ
في كلِّ شتاءْ
ينهمرُ عليها الماءْ
يغسلها
تشعرُ بالرعشةِ من عنفِ البردِ القارسْ
تأتي نحوى
تقفزُ في حضنى
تلثمنى
أتصببُ عرقاً
أنداءً
أتسمعُ أيضاً ذاكَ الصوتْ
يختنقُ الدمعُ بأحداقى
فأضمُ الصوت الآتى من أزمانِ البُعدِ
هناكْ
وتنوحُ بصدرى إيزيسْ
* * *
ولكم تغرينى حقاً كلَّ ربيعْ
تورقُ أشجارُ التوتِ وكلُّ نخيلِ الوادي
والصحراءْ
تورقُ فيها الأنثى ألواناً من إغراءْ
فأذوبُ حناناً.. وهيُاماً
وأفكرُ ماذا أفعلُ كي أمتزجَ ببهجتها
كي أمسحَ دمعتها
أتحرقُ شوقاً للآتي
أخطبها من أوزيريس
يمنحني إياها
يوصينى
أن أرعاها
حين يموتْ

نـعـيـم صـبـرى . من ديوان حديث الكائنات

19‏/10‏/2009

يوميات طفل قديم (3)

(25)

(3)
عم على بواب روضة أطفال الجزيرة المشتركة بشبرا، كان اسمها هكذا، مدرستنا، نرجوه فى الفسحة أن يفتح لنا الباب لنشترى الحرنكش. عندما كان يعاقبنا ولا يفتح الباب كنا نعانده ونغنى "على يا على... يا بتاع الزيت..." فكان يجرى وراءنا بالطوب ويلعن أبانا.

من كتاب "يوميات طفل قديم" ذكريات طفولة

18‏/10‏/2009

لوحة للفنان بيكاسـو


(24)

يوميات طفل قديم (2)

(23)

(2)
أعشق العسل والطحينة. من فرط الاندماج معهما كنت أدمر ملابسى بهما ولهذا تم حرمانى منهما. فتحت باب الشقة وخرجت فى هدوء. صعدت السلم إلى سطح العمارة.
كانت الخالة سلمى زوجة عمى إسماعيل البواب ضعيفة المقاومة لطلباتى. أنا أعلمُ أنها لن تردَّنى. طلبت عسلاً وطحينة وواحد شاى مضبوط. تهللت سعيدة بطلباتى وقبلتنى. أكلت العسل والطحينة ولطخت ملابسى كالعادة ثم شربتُ الشاى. تنبه أهل المنزل لغيابى وخمنوا مكانى. هب إعصارٌ هادرٌ من مربيتى وسحبتنى من ذراع واحد. كنت أرتفع فوق الأرض أثناء هرولتها غاضبةً وكانت ذراعى تؤلمنى.

من كتاب "يوميات طفل قديم" ذكريات طفولة

17‏/10‏/2009

(22)

ويبدو أن العَظَمة تنفى معيار الخير والشر.فمن كان عظيما امتنع على الشر .وليس من فظاعة يمكن أن يُجَرَّمَ بها من كان عظيما
يقول المؤرخون "هذا عظيم" ، ومنذ ذلك الحين ينعدم الخير والشر ويبقى ما هو عظيم وما ليس عظيما، فما هو عظيم خير وما ليس عظيما شر، والعظمة عندهم هى خاصية تلك الكائنات الفذة التى تُسَمَّى أبطالا، ولم يدر بخلد أحد أن التسليم بعظمة ما يخرجُ على مقياس الخير والشر ليس سوى تسليم بعدم تلك العظمة وبصغرها الذى لا سبيل إلى قياسه

لاعظمة حيث لا تكون البساطة والطيبة الحقيقية

ليو تولستوى
الحرب والسلام

13‏/10‏/2009

يوميات طفل قديم (1)

(21)

(1)
سينما بلازا انحرقت..صاح أحد الرجال وهو يجري فِزعًا في شارع جزيرة بدران..وتوالت الأنباء عن الحرائق في كل مكان..القاهرة تحترق. قد لا يعرف الكثيرون أن سينما بلازا،وهى أحد معالم حي شبرا في وقتها،هي موقف سيارات أحمد حلمي الآن.
كانت الحفلات الصباحية لسينما بلازا هي الأمل المنتظر،المكافأة على حسن السلوك..هل يمكن إصلاحها؟أمنية متوجسة..
هبط الليُل في كآبة جسيمة.انقطعت الكهرباء وَعَم الظَلام.دلفت من باب الشقة نحو السطح..رغبة في استشراف ما حدث..كانت القاهرة خامدة إلا من بعض ألسنة اللهب هنا وهناك.نظرت ناحية قطار الصعيد الذي يمر من خلف منزلنا لكي أستأنس به..هناك في الأفق ظلام وصمّت.. لم يمر القطار أثناء وقوفي.

من كتاب "يوميات طفل قديم" ذكريات طفولة

10‏/10‏/2009

لوحة لموديليانى


(20)

لوحة لموديليانى
Modigliani - Le Grande Nu

09‏/10‏/2009

أشـجانُ الألوانِ الحقة

(19)

اغمس فرشـاتَكَ فى لونى الأسـود
بَعثِره عَبرَ مسـاحاتِكَ فوقَ البيضاء
شـَكِّل منه
فَرَسـاً يجمحُ
سـهما يجرحُ
نهراً يسـبحُ
حُراً .. مُنطَلِقاً .. وضَّاء
اغمس فُرشـاتكَ فى عينى
كى تمسـحَ بعضا من حزنى
اغمس فُرشـاتكَ فى أُذُنى
كى تسـمعَ صوتَ الكونِ المهموس
اغمس فرشـاتكَ فى جسـدى
شـَكِّله كيف تشـاء
هَذِّب عورات الزمنِ الماضى
اجعلها نَسـَقاً متسـِقاً ... شـادٍ
اغمسـها فى لونى القانى
ليتكَ تجعله لوناً نورانياً
فيه أتصالحُ وزمانى
اغمس فرشـاتكَ فى شـجَنى
فى وجدانى
اغمس فرشـاتكَ فى بدنى
شـَكِّل لى طفلاً وممالكَ
إنى أفتحُ كلَّ مسـامى
أخلعُ عنى آلامى
أمنَحُكَ الجَسـَدَ المتهالكَ
أهِبُكَ إخفاقى وشـروعى
أحزانى ... يأسـى ... وخضوعى
أرجوكَ توغَّل فى عجزى
لاتتوانَ
إنى أتهالكُ فى الزمنِ الضائع
أفتقدُ الرِعشـةَ والشـبَقَ الرائع
يتشـقق جسـدى وحدودى
يتبدد ورحى ووجودى
أذوى من فَرطِ الإعياء
أتشـتتُ تيها
وحنيناً
... وهَباء

نـعـيـم صـبـرى
قصيدة لم تُنشـر